فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}
الإشارة إلى ما حلّ بهم من إلقاء الرعب في قلوبهم وما أصابهم من الضرب والقتل، والكاف لخطاب الرسول أو لخطاب كل سامع أو لخطاب الكفار على سبيل الالتفات و{ذلك} مبتدأ و{بأنهم} هو الخبر والضمير عائد على الكفار وتقدّم الكلام في المشاقّة في قوله: {فإنما هم في شقاق} والمشاقّة هنا مفاعلة فكأنه تعالى لما شرع شرعًا وأمر بأوامر وكذبوا بها وصدّوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق وعبّر المفسرون في قوله شاقّوا الله أي صاروا في شقّ غير شقّه.
{ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب} أجمعوا على الفكّ في {يشاقق} اتباعًا لخط المصحف وهي لغة الحجاز والإدغام لغة تميم كما جاء في الآية الأخرى {ومن يشاق الله}، وقيل فيه حذف مضاف تقديره شاقّوا أولياء الله و{من} شرطية والجواب {فإن} وما بعدها والعائد على {من} محذوف أي {شديد العقاب} له وتضمن وعيدًا وتهديدًا وبدأهم بعذاب الدنيا من القتل والأسر والاستيلاء عليهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ذلك} إشارةٌ إلى ما أصابهم من العقاب، وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببُعد درجتِه في الشدة والفظاعةِ، والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ ممن يليق بالخطاب، ومحلُّه الرفعُ على الابتداء وخبرُه قوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} أي ذلك العقابُ الفظيعُ واقعٌ عليهم بسبب مُشاقّتِهم ومغالبتِهم مَنْ لا سبيلَ إلى مغالبته أصلًا، واشتقاقُ المشاقةِ من الشِّق لِما أن كلًا من المُشاقَّين في شِقّ الآخر كما أن اشتقاقَ المُعاداةِ والمُخاصمة من العَدْوة والخَصْم أي الجانب لأن كلًا من المتعاديَيْن والمتخاصمَين في عَدوةٍ وخصمٍ غيرِ عدوةِ الآخر وخصمِه {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} الإظهارُ في موضع الإضمار لتربية المهابةِ وإظهار كمالِ شناعة ما اجترأوا عليه والإشعارِ بعلة الحُكم. وقوله تعالى: {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} إما نفسُ الجزاءِ قد حُذف منه العائد إلى (مَنْ) عند من يلتزمه، أي شديدُ العقاب له، أو تعليلٌ للجزاء المحذوف أي يعاقبْه الله فإن الله شديدُ العقاب، وأيًا ما كان فالشرطيةُ تكملةٌ لما قبلها وتقريرٌ لمضمونه وتحقيقٌ للسببية بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ذلك العقابُ الشديد بسبب مشاقّتِهم لله تعالى ورسولِه وكلُّ من يشاقق الله ورسولَه كائنًا مَنْ كان فله بسبب ذلك عقابٌ شديدٌ فإذن لهم بسبب مشاقّتِهم لهما عقابٌ شديد، وأما أنه وعيدٌ لهم بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا كما قيل فيرده ما بعده من قوله تعالى: {ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار}. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
{ذلك} إشارة إلى الضرب والأمر به أو إلى جميع ما مر، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب.
وجوز أن يكون خطابًا للجمع، والكاف تفرد مع تعدد من خوطب بها، وليست كالضمير على ما صرحوا به، ومحل الاسم الرفع على الابتداء وخبره قوله سبحانه وتعالى: {بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} وقال أبو البقاء: إن ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وليس الأمر ذلك، والباء للسببية والمشاقة العداوة سميت بذلك أخذًا من شق العصا وهي المخالفة أو لأن كلًا من المتعاديين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأن كلًا منهما في عدوة أي جانب وكما أن المخاصمة من الخصم بمعنى الجانب أيضًا، والمراد بها هنا المخالفة أي ذلك ثابت لهم أو واقع عليهم بسبب مخالفتهم لمن لا ينبغي لهم مخالفته بوجه من الوجوه {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} أي يخالف أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة وإظهار كمال شناعة ما اجترأوا عليه والإشعار بعلية الحكم، وبئس خطيب القوم أنت اقتضاه الجمع على وجه لا يبين منه الفرق ممن هو في ربقة التكليف؛ وأين هذا من ذاك لو وقع ممن لا حجر عليه وإنما لم يدغم المثلان لأن الثاني ساكن في الأصل والحركة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها، وقوله تعالى: {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد عند من يلتزمه ولا يكتفي بالفاء في الربط أي شديد العقاب له، أو تعليل للجزاء المحذوف أي عاقبه الله تعالى فإن الله شديد العقاب، وأيًا ما كان فالشرطية بيان للسببية السابقة بطريقة برهاني، كأنه قيل: ذلك العقاب الشديد بسبب المشاقة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وكل من يشاقق الله ورسوله كائنًا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فأذن لهم بسبب مشاقة الله ورسوله عقاب شديد، وقيل: هو ويد بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا، قال بعض المحققين: ويرده قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}
تعليل لأن الباء في قوله: {بأنهم} باء السببية فهي تفيد معنى التعليل ولهذا فُصلت الجملة.
والمخاطب بهذه الجملة: إما الملائكة، فتكون من جملة الموحى به إليهم إطْلاعًا لهم على حكمة فعل الله تعالى.
لزيادة تقريبهم، ولا يريبك إفراد كاف الخطاب في اسم الإشارة لأن الأصل في الكاف مع اسم الإشارة الإفراد والتذكير، وإجراؤها على حسب حال المخاطب بالإشارة جائز وليس بالمتعين، وإما من تبلغهم الآية من المشركين الأحياء بعد يوم بدر، ولذا فالجملة معترضة للتحذير من الاستمرار على مشاقة الله ورسوله.
والقول في إفراد الكاف هُو هُو إذ الخطاب لغير معين والمراد نوع خاص، ويجوز أن يكون المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمشار إليه ما أمروا به من ضرب الأعناق وقطع البنان.
وإفراد اسم الإشارة بتأويله بالمذكور، وتقدم غير مرة.
والمشاقة العداوة بعصيان وعناد، مشتقة من الشّق بكسر الشين وهو الجانب، هو اسم بمعنى المشقوق أي المفرق، ولما كان المخالف والمعادي يكون متباعدًا عن عدوه فقد جعل كأنه في شق آخر، أي ناحية أخرى، والتصريح بسبب الانتقام تعريض للمؤمنين ليستزيدوا من طاعة الله ورسوله، فإن المشيئة لما كانت سبب هذا العقاب العظيم فيوشك ما هو مخالفة للرسول بدون مشاقة أن يُوقع في عذاب دون ذلك، وخليق بأن يكون ضدها وهو الطاعة موجبًا للخير.
وجملة: {ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} تذييل يعم كل من يشاقق الله ويعم أصناف العقائد.
والمراد من قوله: {فإن الله شديد العقاب} الكناية عن عقاب المشاقين وبذلك يظهر الارتباط بين الجزاء وبين الشرط باعتبار لازم الخبر وهو الكناية عن تعلق مضمون ذلك الخبر بمن حصل منه مضمون الشرط، كقول عنترة:
إن تُغْدِ في، دونِي القناع فإنني ** طَبُّ بأخذ الفارس المستلْئمِ

يريد فأني لا يخفى عليَّ من يستر وجهه مني وأني أتوسّمه وأعرفه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
وهنا يوضح الحق سبحانه وتعالى: أن هذا النصر المؤزر للنبي وصحبه والهزيمة للمشركين؛ لأنهم شاقوا الله ورسوله، و{شاقوا} من الشق ومعناه أنك تقسم الشيء الواحد إلى اثنين. وكان المفروض في الإنسان منهم أن يستقبل منهم الله الذي نظم له حركته في هذا الكون، ولم يكن هناك داع لتبديد الطاقة بالانشقاق إلى جماعتين؛ جماعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجماعة مع الكفر والشرك؛ لأن الطاقة التي كانت معدة لإصلاح أمر الإنسان والكون للخلافة؛ إنما يتبدد جزء منها في الحروب بين الحق والباطل، ولو توقفت الحروب لصارت الطاقة الإنسانية كلها موجهة للإصلاح والارتقاء والنهوض وتحقيق الخير لبني الإنسان، لكنهم شاقوا الله ورسوله، فجعلوا أنفسهم في جانب يواجه جانب المؤمنين بالله ورسوله، فجعلوا أنفسهم في جانب يواجه جانب يواجه جانب المؤمنين بالله والرسول؛ لذلك استحقوا عذاب الله وعقابه، وبسبب أنهم شاقوا الله ورسوله، عليهم أن يتحملوا العقاب الشديد من الله، فيقول سبحانه وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 13].
وهذه قضية عامة، وسنة من الله في كونه تشمل هؤلاء الذين شاقوا الله ورسوله من بدء الرسالة، وإلى قيام الساعة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ذَلِكَ بأنَّهُمْ}، {ذلكَ} مبتدأ وخبر، والإشارةُ إلى الأمر بضربهمٍ، والخطابُ يجوزُ أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون للكفَّارِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتًا.
كذا قال أبُو حيَّان وفيه نظر لوجهين:
أحدهما: أنه يلزمُ من ذلك خطابُ الجمع بخطاب الواحد، وهو ممتنعٌ أو قليلٌ، وقد حُكِيَتْ لُغَيَّة.
والثاني: أنَّ بعده: {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} فيكون التفت من الغيبةِ إلى الخطاب في كلمة واحدة، ثمَّ رجع إلى الغيبة في الحال، وهو بعيدٌ.
قوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الله} {مَنْ} مبتدأ، والجملةُ الواقعة بعدها خبرها، أو الجملة الواقعة جزءً أو مجموعهما، ومن التزم عود ضمير من جملة الجزاءِ على اسمِ الشَّرط قدَّرهُ هُنَا محذوفًا تقديره: فإنَّ الله شديدُ العقاب له.
واتفق القُّراءُ على فكِّ الإدغام هنا في: {يُشاقِقِ}؛ لأنَّ المصاحفَ كتبته بقافين مفكوكتين، وفَكُّ هذا النوعِ لغةُ الحجاز، والإدغامُ بشروطه لغة تميم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ} بين أنهم في مغاليط حسبانهم وأكاذيب ظنونهم والمُنْشِئُ- بكلِّ وجهٍ- اللهُ؛ لانفراده بقدرة الإيجاد.
قوله جلّ ذكره: {وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ}.
يُمْهِلُ المجرمَ أيامًا ثم لا يهمله، بل يُذِيقه بأْسَ فِعله، ويزيل عنه شُبْهةَ ظنِّه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (14):

قوله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم الآية ببيان السبب الموجب لإهانة الذين كفروا وبما له من الوصف العظيم، أتبعه ما يقول لهم لبيان الحال عند ذلك بقوله التفاتًا إليهم لمزيد التبكيت والتوبيخ.
{ذلكم} أي هو سبحانه بما له من هذا الوصف الهائل يذيق عدوه من عذابه ما لا طاقة لهم به ولا يدان، فيصير لسان الحال مخاطبًا لهم نيابة عن المقال: الأمر الذي حذرتكم منه الرسل وأتتكم به الكتب وكنتم تستهزئون به أيها الكفرة هو هذا الأمر الشديد وقعه البعيد على من ينزل عليه دفعه دهمكم، فما لكم لا تدافعونه! كلا والله شغل كلًا ما قابله ولم يقدر أن يزاوله.
ولما كان ما وقع لهم في وقعة بدر من القتل والأسر والقهر يسيرًا جدًا بالنسبة إلى ما لهم في الآخرة، سماه ذوقًا لأنه يكون بالقليل ليعرف به حال الكثير فقال: {فذوقوه} أي باشروه قهرًا مباشرة الذائق واعلموا أنه بالنسبة إلى ما تستقبلونه كالمذوق بالنسبة إلى المذوق لأجله {وأنَّ} أي والأمر الذي أتتكم به الرسل والكتب أن لكم مع هذا الذي ذقتموه في الدنيا، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر تعميمًا وتعليقًا بالوصف فقال: {للكافرين} أي على كفرهم وإن لم يظهروا المشاققة {عذاب النار} وهو مواقعكم وهو أكبر وسترون. اهـ.